شكلت تجربة المشاركة السياسية للإسلاميين في المغرب نموذجا استطاع أن يتجاوز تيار القطيعة ومعارضة النظام الحاكم، وتجاوز الدخول في صراعات معه أو تكفيره، كما تعمل على ذلك العديد من الحركات الإسلامية في بعض الدول؛ فحزب العدالة والتنمية خرج من رحم حركة دينية تسمى "حركة التوحيد والإصلاح"، وبالتالي أصبح لهذه الأخيرة واجهة سياسية تنافس بها الأحزاب المغربية، وبقي دور الحركة هو المساهمة في ترقية مستوى التدين لدى الشعب المغربي على حسب تعبيراتها وتوجهاتها الدينية، أما الحزب؛ فسيتكفل بلعب الأدوار السياسية، والمشاركة في المشهد السياسي المغربي، وقد استطاع هذا الحزب أن يترأس الحكومة لِوِلَايَتَيْن متتاليتين، الأولى ترأسها "عبد الإله بن كيران"، والثانية "سعد الدين العثماني" بعد أن تم إعفاء "ابن كيران"؛ فإلى أين قاد سعد الدين العثماني سفينة العدالة والتنمية، وهل اقتربت سفينته أن تغرق؟ وأوشك قنديل حزب العدالة والتنمية أن ينطفئ؟
حزب متماسك بدأ يتفكك
لقد تميز حزب العدالة والتنمية المعروف اختصارا
ب"البيجيدي" بتماسك وتنظيم نوعي مقارنة مع باقي الأحزاب السياسية
المغربية التي تؤثث المشهد السياسي المغربي، ويعود هذا التنظيم النوعي إلى كون
الحزب ولد من رحم حركة دينية إسلامية، لكن عشر سنوات من التدبير الحكومي من طرف
هذا الحزب كانت كافية أن تُظهر خلافات وانشقاقات عديدة، ولعل أكبر دليل على هذه
الخلافات إقدام الأمين العام السابق ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران على
تقديم استقالته، وتناسلت بعدها العديد من الاستقالات المتوالية داخل فروع هذا
الحزب في العديد من مدن المغرب؛ فهل كان التطبيع مع إسرائيل وتقنين القنب الهندي
المعروف في المغرب ب"الكيف" كافيين لإحداث تصدعات في جدران بيت
"البيجيديين" الذي دأب المحللون على وصفه بالبيت المتماسك؟
استقالات متناسلة
قدم "إدريس الأزمي" استقالته من حزب "العدالة
والتنمية" بسبب موضوع تقنين القنب الهندي حتى قبل أن تتم المصادقة عليه؛ بل
مجرد طرح هذا الملف للمصادقة عليه تسبب في استقالة "الأزمي"، لكن "عبد
الإله بن كيران" لم يتسرع في تقديم استقالته كما فعل "الأزمي" بل
توعد فقط بتجميد عضويته من الحزب والاستقالة في حالة تصويت برلمانيي الحزب على
مشروع تقنين القنب الهندي؛ إذ يرى "ابن كيران" أن موضوع تقنين القنب
الهندي محسوم لدى الحزب، وسبق للأمانة العامة للحزب أن أعلنت بوضوح موقفها منه عام
2017، ولقد نفذ "ابن كيران" وعده بعد المصادقة على هذا المشروع مباشرة؛
إذ نشر استقالته مكتوبة بخط يده على صفحته في "الفايسبوك"، كما ذكر في
نفس الاستقالة أنه قطع علاقته مع 5 برلمانيين من حزبه يتواجدون في الحكومة، وعلى
رأسهم "سعد الدين العثماني" رئيس الحكومة المغربية، وقبل أن تتم المصادقة على هذا
المشروع حاول أحد وزراء الحكومة المنتمي لهذا الحزب أن يستقيل وهو الوزير المكلف
بحقوق الإنسان "مصطفى الرميد" لكن اتصالا هاتفيا من الملك محمد السادس
أعاد الأمور إلى نصابها وتراجع "الرميد" عن استقالته.
التطبيع و"الحشيش" لغمان في طريق العدالة
والتنمية
بدأ قنديل حزب "العدالة والتنمية" ينطفئ منذ
أن قام رئيس الحكومة "سعد الدين العثماني" بتوقيع الإعلان الثلاثي
المغربي-الأمريكي-الإسرائيلي؛ إذ ظهر "العثماني" في مراسيم التوقيع
ليمثل المغرب، وقد بدأ الحزب في الغليان والتوتر منذ ذلك التوقيع، لكن هذا الغليان
هدأ قليلا عندما ظهر "عبد الإله بن كيران" في "لايف" على
الأنترنيت وُصِف بأنه كان يتحدث بكثير من العفوية والسلاسة ومساندة العثماني في
موقفه الصعب.